من هي الشخصية النرجسية ؟

د / إسراء محمد
تاريخ النرجسية
عُرف مفهوم الأنانية المفرطة عبر التاريخ إذ إن مصطلح «النرجسية» مشتق من الأساطير اليونانية عن نرسيس -عاشق ذاته- لكنه صيغ في نهاية القرن التاسع عشر.
منذ ذلك الحين أصبحت النرجسية كلمة مألوفة في الأدب التحليلي نظرًا إلى الإنشغال الكبير بالموضوع إذ استُخدم هذا المصطلح أكثر من أي مصطلح آخر تقريبًا.[1]
وتغير معنى النرجسية بمرور الوقت فاليوم النرجسية «تشير إلى الاعتناء أو الاهتمام بالذات على طول سلسلة متصلة واسعة من المستوى الصحي إلى المرضي متضمنًا مفاهيم مثل احترام الذات، والتنظيم الذاتي، والتمثيل الذاتي، والنفس الحقيقية أو الزائفة»]2]
حقبة ما قبل فرويد
كان نرسيس شابًا يونانيًا وسيمًا رفض العرض اليائس للحورية إيكو ، وعقوبةً لذلك حُكم عليه أن يقع في حب انعكاسه في بركة من الماء ، غير قادر على إتمام حبه كان نرجس مستلقيًا محدقًا في البركة ساعة بعد ساعة [3]
وفي الأخير تلاشى بعيدًا متحولًا إلى زهرة تحمل اسمه «نرسيس أو النرجس». أعاد أوفيد سرد القصة باللاتينية في كتابه «التحولات»، وكان لها تأثير كبير في ثقافة القرون الوسطى وعصر النهضة.
«حكاية أوفيد عن الغرور والنرجسية تنسج داخل وخارج معظم الأمثلة الإنجليزية لقصيدة أوفيديان السردية والتلميحات إلى قصة نرسيس إذ تؤدي دورًا كبيرًا في القصائد الشعرية لشكسبير.
هنا كان المصطلح المستخدم هو: حب الذات يغذي شعلة نورك بوقود ذاتي كبير .
استخدم فرانسيس بيكون المصطلح ذاته قائلًا إنها طبيعة المتطرفين في عشق الذات، إذ إنهم سيوقدون النار في منزل فقط لتحميص بيضهم، فهم -كما يقول شيشرون عن بومبي- عشاق لأنفسهم بلا منازع ]4]
استخدم بايرون في القرن التاسع عشر المصطلح ذاته، واصفًا كيف أن «حب الذات دائمًا يتسلل إلى النفس، مثل الأفعى لادغًا أي شيء يصادفه أو يتعثر به»
كتب بودلير: «ينمو حب الذات مثل النمو القوي في قلب الإنسان الطبيعي» ومن مثلهم كمثل نرسيس، يتأملون الحشد كما لو كان نهرًا، ويقدمون صورتهم الخالصة ]5 ]
بحلول منتصف القرن كانت الأنانية تعبيرًا شائعًا بنفس القدر عن استيعاب الذات ، «الأنانيون، استحدثوا وعيًا شديدًا للذات ، بواسطة التعذيب الذي تعيش فيه» مع أنه لا يزال هناك اقتراحات فضولية حول أسطورة نرسيس في الخلفية. في نهاية القرن، ظهر المصطلح أخيرًا كما نعرفه الآن، مع هافلوكإليس، عالم الجنس الإنجليزي، الذي كتب ورقة قصيرة سنة 1927 م حول صكها، مجادلًا بأن الأولوية يجب في الواقع تقسيمها بينه وبين بول إذ قال ناك موضحًا، أن مصطلح «مشابه النرجسية» قد استخدمه سنة 1898م وصفًا لسلوك نفسي وأن ناك سنة 1899 م قدم مصطلح «النرجسية» لوصف الانحراف الجنسي]6 ]
حدد القرن العشرون المفهوم إلى حد بعيد من الناحية النفسية، إذ نشر أوتو رانك سنة 1911 م أول ورقة تحليلية نفسية تهتم تحديدًا بالنرجسية وربطها بالغرور والإعجاب بالنفس
سيغموند فرويد
أخبر إرنست جونز في اجتماع لجمعية التحليل النفسي بفيينا بتاريخ 10 نوفمبر 1909م ، أن فرويد أعلن أن «النرجسية كانت مرحلة وسيطة ضرورية بين الإثارة الجنسية وحب الأشياء».
في العام التالي وصف علنًا لأول مرة كيف أن «الشاب في مرحلة النمو، يجد حبه على طريق النرجسية، لأن الأساطير اليونانية تسمي الشاب نرسيس الذي كان لا يرضيه شيء مثل صورته المنعكسة في المرآة » مع أن فرويد لم ينشر سوى ورقة واحدة مكرسة حصريًا للنرجسي بعنوان «عن النرجسية: مقدمة» سنة 1914م ، لكن سرعان ما احتلت النرجسية مكانة مركزية في تفكيره]7 ]
حث عن المثالية في آبائهم أو بدائل آبائهم من حيث المركز والعطاء
اضطراب الشخصية النرجسية :
عبارة عن حالة مرَضية تؤثر على الصحة العقلية للمريض الذي ينتابه حينها شعور مبالغ فيه بأهميته ويحتاج إلى الاهتمام والإطراء من الآخرين بشكل زائد ويسعى إلى ذلك.
قد يفتقر الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب إلى القدرة على فهم مشاعر الآخرين أو الاهتمام بها لكن وراء هذا القناع من الثقة المفرطة هم ليسوا متأكدين من تقديرهم لذاتهم ويمكن أن ينزعجوا بسهولة من أقل انتقاد
يسبِّب اضطراب الشخصية النرجسية مشكلات في كثيرٍ من نواحي الحياة مثل العلاقات أو العمل أو المدرسة أو الشؤون المالية ، وقد يشعر المرضى المصابون باضطراب الشخصية النرجسية بالتعاسة وخيبة الأمل بشكل عام عندما لا يتم منحهم الامتيازات الخاصة أو الإعجاب الذي يعتقدون أنهم يستحقونه ، قد يجدون علاقاتهم مضطربة وغير مُرضية وقد لا يستمتع الآخرون بالتواجد حولهم .
يتمركز علاج اضطراب الشخصية النرجسية حول :
- العلاج بالحوار المعروف أيضًا بالعلاج النفسي.
يؤثر اضطراب الشخصية النرجسية على الذكور أكثر من الإناث وغالبًا ما يظهر في سن المراهقة أو في بداية البلوغ قد تظهر سمات النرجسية على بعض الأطفال ولكن هذا غالبًا ما يكون عاديًا بالنسبة لأعمارهم ولا يعني أنهم سيصابون باضطراب الشخصية النرجسية عند الكبر.
الأعراض
يمكن أن تختلف أعراض اضطراب الشخصية النرجسية ومدى شدتها من شخص لآخر.
ويتسم المصابون بهذا الاضطراب بالصفات التالية:
- إحساس عالٍ بشكل غير معقول بأهمية الذات والحاجة إلى سماع عبارات الإطراء والإعجاب باستمرار وبشكل مفرط.
- الشعور بأنهم يستحقون امتيازات ومعاملة خاصة.
- توقُّع الحصول على التقدير والتكريم حتى بدون إنجازات.
- تضخيم إنجازاتهم ومواهبهم بشكل أكبر مما هي عليه.
- الانشغال بتخيلات عن النجاح أو القوة أو التألق أو الجمال أو الرفيق المثالي.
- الانتقاد والتعامل بتعالٍ مع الأشخاص الذين لا يشكّلون أهمية خاصة من وجهة نظرهم.
- توقُّع الحصول على خدمات خاصة وتوقُّع أن يفعل الآخرون ما يريدون منهم من دون طلب ذلك.
- استغلال الآخرين للحصول على مرادهم.
- عدم القدرة أو عدم الرغبة في تمييز احتياجات الآخرين ومشاعرهم.
- حسد الآخرين واعتقاد أن الآخرين يحسدونهم.
- التصرف بطريقة متعجرفة والتباهي كثيرًا والغرور.
- الإصرار على الحصول على الأفضل في كل شيء ، كأفضل سيارة أو أفضل مكتب على سبيل المثال.
في الوقت نفسه يواجه الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية النرجسية صعوبة في التعامل مع أي خطاب يعتبرونه نقدًا وقد تلاحظ عليهم ما يلي:
- نفاد الصبر أو الغضب عندما لا يتلقون تقديرًا أو معاملة خاصة.
- مواجهة صعوبات كبيرة في التعامل مع الآخرين والشعور بأنهم مُهمَلون بسهولة.
- الغضب من الآخرين وازدراؤهم ومحاولة التقليل من شأن الآخرين لجعل أنفسهم يبدون أعلى شأنًا.
- مواجهة صعوبات في التعامل مع عواطفهم وسلوكياتهم.
- مواجهة مشكلات كثيرة في التعامل مع الضغوط والتأقلم مع التغيير.
- الانسحاب من المواقف التي قد يفشلون فيها أو تجنُّبها.
- الشعور بالاكتئاب وتقلّب المزاج لأنهم ليسوا على قدر الكمال الذي كانوا يتخيلونه.
- الشعور الخفي بعدم الأمان والخزي والإهانة والخوف من التعرض للفشل
الأسباب
ما زالت أسباب اضطراب الشخصية النرجسية مجهولة ، ومن المحتمل أن يكون السبب معقدًا. ربما يرتبط اضطراب الشخصية النرجسية بما يأتي:
- البيئة – وهي العلاقات بين الآباء والأبناء التي تتسم إما بفرط التدليل أو فرط النقد بما لا يتناسب مع تجارب الأبناء وإنجازاتهم الفعلية.
- الوراثيات – وهي الخصائص الوراثية، مثل سمات شخصية معينة.
- البيولوجيا العصبية – وهي الرابط بين الدماغ والسلوك والتفكير.
عوامل الخطر
رغم عدم معرفة سبب اضطراب الشخصية النرجسية ، فإن بعض الباحثين يعتقدون أن فرط الحماية أو فرط الإهمال من الآباء يؤثر في الأطفال الذين يولدون مع ميل للإصابة بهذا الاضطراب.
وتؤدي الخصائص الوراثية والعوامل الأخرى أيضًا دورًا في تفاقم اضطراب الشخصية النرجسية.
المضاعفات
تشمل مضاعفات اضطراب الشخصية النرجسية والحالات الأخرى التي قد تكون مصاحبة لها:
- صعوبات تكوين العلاقات
- مشكلات في العمل أو الدراسة
- الاكتئاب والقلق
- اضطرابات الشخصية الأخرى
- اضطراب في الأكل يسمى فقدان الشهية
- مشكلات صحية جسدية
- إدمان المخدرات أو الكحوليات
- الأفكار أو السلوكيات الانتحارية
الوقاية
نظرًا لأن سبب اضطراب الشخصية النرجسية غير معروف ، فلا تتوفر طريقة معروفة للوقاية من هذه الحالة المرَضية ولكن قد يكون من المفيد اتباع ما يلي:
- الحصول على العلاج في أسرع وقت ممكن عند ظهور مشكلات في الصحة العقلية بمرحلة الطفولة.
- في العلاج الأسري لتعلم طرق صحية للتواصل أو التأقلم مع الصراعات أو الاضطرابات العاطفية
- حضور فصول في مجال تربية الأبناء وطلب التوجيه من معالج أو أخصائي اجتماعي إذا لزم الأمر
المراجع :
- هادية ع. . البليش ب. و الحاج يحي ب.ج. . (1995 ( ، القاموس الجديد للطلاب، الجزائر، المؤسسة الوطنية للكتاب..
- لابلانش . ج، و بونتاليس، ب .ج ، ترجمة محمد حجازي (1985 . (معجم مصطلحات التحليل النفسي، ديوان المطبوعات الجامعية.
3. Anziew .D et Chabert .C. (1992), les méthodes projectives, Paris, PUF.
4. Bardet .M. (2000), Le suicide, Paris, Milan
5. Beachler .J. (1975), Les suicides, Paris, calmann lévy
6. Bergeret .J. (1975), La dépression et états limites, Paris, Dunod
7. Birot. E et Jeammet. P. (1994), Etude psychopathologie des tentatives de suicide chez l’adolescents et le jeune adulte,
Paris, PUF.